وقفة مع الراهن السعودي: مسألة المواطنة و حاجتها الإعلامية
لاشك أولا: أن مشكلة الراهن السعودي ترتبط بمشكلة المواطنة و لايمكن فصلها عنها. فالحوار الوطني و التعايش و المصالحة و الإصلاح في السعودية، هذه القيم كلها لايمكن أن تنمو دون نمو معنى المواطنة فكريا و حراكيا و قل اجتماعيا أساسا، لأنه معنى يشكل روح و جوهر السعودي، فالتعايش و التسامح و التواصل و الاجتماع ليست مجرد كلمات و لقاءات و جدالات تتداول بين الكيانات المختلفة في النسيج المجتمعي السعودي، لكنها حراك واعي و منفتح و قيم إسلامية تصول و تجول لتحرك الجمود الثقافي و الوعي الاجتماعي و الحضاري و تفك حلقة الإقصاء و التهميش للآخر السعودي.
و من المستبعد أن نتصور نجاح أي إصلاح في أي مجتمع مرهون بالفردانية و العقدة الإيديولوجية التاريخانية، لأن الأمم تنهض و ترتقي كلما وفرت الفرصة الكاملة و العدل الاجتماعي لمعظم أطيافها، مع الأخذ في الاعتبار انه من الصعوبة بمكان اقتراح علاجات جذرية للمأزق السعودي الراهن دون تفعيل الإعلام السعودي لتحريك مسألة المواطنة إيجابيا، إذا أراد لمجتمعه –الإعلام-اللحاق بالركب الاجتماعي المتقدم.
و لا شك ثانيا: أن الإعلام يمثل احد الأركان الأساسية في الممارسة الديموقراطية الحقيقية، إلا أن ما شهدناه و نشهده من مظاهر تعسفية و قهرية و ساحقة للحريات من بعض الأطراف في الفاعلة في الحراك المجتمعي السعودي من جانب، و الهيمنة الإيديولوجية و ضغطها على مسؤولي الإعلام السعودي و اتهامهم من جانب آخر .يؤكدان عدم إمكانية اتساع مساحة فكرة المواطنة في السعودية و تبلورها بالشكل المناسب في ظل الإستكبارات الاجتماعية و الثقافية و السياسية.لان مضمون المواطنة يفترض الحريات و العدالة و التواصل و التثاقف للتعارف و التسامح و التعايش "إنا جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" .و لا يصح الاحتجاج بصورة خاصة في رفض ظهور شخصية علمائية سعودية (أبا عن جد) على شاشة التلفزيون السعودي لا لشيء سوى لأنها مقتنعة بمذهب غير المذهب العام و السائد بالبلاد-فأين الحريات هنا يا ترى ،دون الحديث عن الحقوق-بينما واقعا نجد هذه الشخصية تحترم واقعها الاجتماعي السياسي و المذهبي أعظم احترام من الآخر الذي ينتسب لهذا الواقع .
و يمكن فهم و تحليل مشكلة المواطنة بالسعودية في إطار تفسير أزمة الذات و الآخر الجواني، و في ضوء الظروف الإقليمية و التطورات الأخيرة، فقد اتضحت عدة مؤشرات دالة على ملامح الإصلاح السياسي، يمكن الإشارة الى عدة نقاط:
• من المنظور السياسي الحديث و المعاصر لايمكن احتجاز الديموقراطية في حدود الإيديولوجية التاريخية.
• التأكيد على أن وباء الإقصاء و التهميش ماهو إلا احد وجوه الرجعية و التراجع و فقدان الثقة بالذات التي ترتبط بقضية الالتزام الديني المشوه.
• إن فكرة المواطنة في الثقافة السياسية العالمية لا ترادف الأغلبية.
• إن التركيز على قضية تصدير المخاوف من خلال توجيه الانتقادات و الاحتجاجات و التهم الواهية و الغير عقلائية تشجع على إيقاظ الفتن، و الفتنة -كما ورد في الأحاديث الشريفة - نائمة ملعون من أيقظها، بما يعني أن الحلول البلشوفية و الحوارات البيزنطية دائما أخطر و أدهى و أمر و أكثر راديكالية، لاسيما إذا تموضع الإعلام في جهة اليسار أو اليمين (المتطرف).
لا شك ثالثا: أن الحوار حول موضوع المواطنة يجد تأييدا جماهيريا سعوديا كبيرا، لأنه تسليم واقعي و حكمة سياسية بالغة، و كونه يفرض التعامل مع الحقائق و الاستفادة من إيجابياتها و مجاهدة السلبيات، و انه يرتب الراهن السعودي و يستشرف لمستقبله.
بنظرة عامة لمسا ر التطور الاجتماعي التاريخي السعودي، يتضح أنه تغذى من التعددية و ازداد قوة و صلابة و ثراءا ثقافيا و حضاريا ( اقتصاديا و سياسيا) منها.، لا يسعني المجال –هنا- للنظر و التوصيف الدقيق لتفاصيل إسهامات الأطياف السعودية كلها في تركيز و بناء الممارسة الاجتماعية، و نكتفي بإبداء وجهة مستقبلية، لأن ثمة كثيرا من الدلائل تشير الى أن مسألة المواطنة، المجتمع السعودي يحملها بداخله حقا، لكنها تفتقر لإعلام رسالي هادف و راقي يطورها و يمتد بها في آفاق المستقبل.
لا شك أخيرا:أن هذه المقالة المقتضبة تمثل محاولة بسيطة و ردة فعل إنسانية مرت بسرعة على وضع المواطنة بالعربية السعودية و يلاحظ عموما أن الثنائية ( المواطنة- الإعلام) تستحق جهودا "علمية و سياسية و اقتصادية و علمائية "عملية أعمق و أشمل و أرحب...لإعادة النظر في المعوقات المنهجية و الواقعية المعطلة لحقوق و واجبات المواطنة في السعودية اليوم.
عودا للإسلام الذي يجمع الأمة السعودية...لقد ورد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين :" من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه" و العصبية التي يأثم عليها صاحبها:"أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين"
كلمة أخيرة...أخي المؤمن الفاضل السعودي فكر (بكسر الكاف)، بالخير و الرحمة و العفو و التسامح و الإسلام والانفتاح على الله، و الله تبارك و تعالى يفصل لك الآيات...﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾ (يونس/24)