المدارس التفسيرية : الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي (1402هـ)
أ- التعريف بالمفسر :
مؤلف هذا التفسير هو العلامة الحكيم السيد محمد حسين بن محمد بن محمد حسين بن علي أصغر شيخ الإسلام بن ميرزا محمد تقي قاضي الطباطبائي .
ولقد كانت ولادته في اليوم التاسع والعشرين من ذي الحجة عام 1321هـ . في مدينة تبريز في إيران .
وترعرع العلامة الطباطبائي في هذه المدينة – تبريز – ولم يغادرها إلا وهو شاب له من العمر ثلاث وعشرين سنة حيث هاجر إلى النجف الأشرف بالعراق لغرض مواصلة الدراسة في حوزتها العلمية وذلك عام 1342 هـ .
ولقد أمضى فيها عشر سنوات يختلف إلى مجالس الفقهاء ويحضر دروسهم لينهل من ذلك الجو العلمي الرائع وبما أوتي من ذكاء وشوق للدراسة ما صيره منه فيما بعد واحداً من كبار العلماء وعظماء المفسرين وأساتذة الحوزة العلمية .
وللعلامة الطباطبائي علاقة خاصة بأستاذه ميرزا علي القاضي كان لها أكبر الأثر على شخصية مفسرنا .
وهكذا بقي العلامة الطباطبائي في النجف الأشرف ينهل من علوم حوزتها مدة عشر سنوات اضطر بعدها وبسبب الظروف الاقتصادية القاهرة للعودة ثانية إلى تبريز بحثاً عن لقمة العيش التي صعب عليه توفيرها في النجف الأشرف .
ولقد قرر العلامة الطباطبائي أن يعود برفقة أخيه إلى مسقط رأسه ليمتهنا الزراعة ولمدة عشر سنوات كانت من أثقل سني العمر وأفدحها خسارة بالنسبة لمفسرنا الذي خسر موقعه الدراسي بسبب شظف العيش والعوز المادي .
بعد تلك السنوات الصعبة قرر السيد الطباطبائي أن يهاجر إلى مدينة قم المقدسة خاصة وأن وضعه الاقتصادي قد تحسن وان الأرباح التي تدرها عليه أرضه الزراعية يمكنها أن تعينه في توفير لقمة العيش إذا ما واصل دراسته في حوزة قم المقدسة .
وكان من أكبر شيوخه آية الله الشيخ محمد حسين النائيني والشيخ محمد علي سرابي وآية الله أبو الحسن الأصفهاني وغيرهم.
هذا ، وانتقل العلامة الطباطبائي إلى جوار ربه صباح يوم الأحد الثامن عشر من محرم الحرام 1402هـ بعد عمر كان إحدى وثمانين سنة وثمانية عشر يوماً ليدفن في مدينة قم المقدسة بعد أن شيعته جموع حاشدة .
ب- التعريف بالتفسير ومنهجه :
تفسير الميزان يقع في عشرين مجلداً وقيل أن المؤلف استغرق فيه عشرين سنة متتابعة وقد فرغ المؤلف من تأليفه كما يقول في ليلة القدر المباركة الثالثة والعشرين من ليالي شهر رمضان من شهور سنة 1392هـ
وقد وصفه مؤلفه ( كتاب علمي ، فني ، فلسفي ، أدبي ، تاريخي ، روائي ، اجتماعي ، حديث يفسر القرآن بالقرآن ) .
وهو تفسير جامع حافل بمباحث نظرية تحليلية ذات صبغة فلسفية في الأغلب ، جمع فيه المؤلف إلى جانب الأنماط التفسيرية السائدة ، أموراً مما أثارته النهضة الحديثة في التفسير ، فقد تصدى لما يثيره أعداء الإسلام من شبهات ، وما يضللون به من تشويه للمفاهيم الإسلامية ، بروح اجتماعية واعية ، على أساس من القرآن الكريم ، وفهم عميق لنصوصه الحكيمة .
ولعل من أبرز مزايا هذا التفسير وسماته جمعه بين نمطي التفسير الموضوعي والترتيبي ، وعنايته التامة بجانب الوحدة الموضوعية السائدة في القرآن الكريم ، ونظرية ( الوحدة الكلية ) الحاكمة على القرآن كله باشتماله على روح كلية سارية في جميع آياته وسوره ، و تلك الروح هي التي تشكل حقيقة القرآن الأصلية السائدة على أبعاضه وأجزائه . يرى المؤلف : أن وراء هذا الظاهر من ألفاظ وكلمات وحروف روحاً كلية ، كانت هي جوهر القرآن الأصيل ، وكانت بمثابة الروح في الجسد من الإنسان .
قال في ذلك : " فالمحصل من الآيات الشريفة أن وراء ما نقرؤه ونعقله من القرآن ، أمراً هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد ، و المتمثل من المثال ، وهو الذي يسميه تعالى بالكتاب الحكيم ، و هو الذي تعتمد عليه معارف القرآن ، وليس من سنخ الألفاظ ولا المعاني " وكذلك من أهم ما يميز هذا التفسير: الاستعانة بمنهج (تفسير القرآن بالقرآن ) في جميع الأبحاث المعمقة التي خاضها السيد الطباطبائي رحمة الله عليه مما جعل تفسيره من أوسع التفاسير انتشاراً بين العلماء والمثقفين .