وبكتهُ السماوات والأرض"
خلق الله تبارك وتعالى الكون العظيم بقدرته ووضع القوانين الإلهية بحكمته فما من حجر ولا مدر إلا ويسير وفق البرمجة الربانية السماوية ، فإذا نظرنا إلى الذرة أصغر المكونات نجد أن إلكتروناتها تسير في مدارات الطاقة بنسق نظامي أودعه الباري جل وعلاّ فيها .
هكذا فإن أجهزة التحكم في السماوات والأرض خاضعة له وفي قبضته إذا أراد شيئاً فيقول له كن فيكون ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
فإذا أراد سبحانه جلت قدرته أن يبكي السماء والأرض فهو قادر على فعل ذلك ، كيف لا وهو الخالق الحق ! فالسماء والأرض لا تبكي إلا بإرادة خالقها تبارك وتعالى ، وبديع السماوات والأرض لا يتركها تبكي إلا على أوليائه الصالحين ففي آية 29 من سورة الدخان ﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ﴾ ، إذا رجعنا لكتب التفاسير القرآنية الموجودة لدى الفريقين نجد أن المقصود بهذه الآية هو فرعون وجنوده وكيف إن هلاكهم هين عند الله تبارك وتعالى فحتى السماء والأرض لم تبكي عليهم ! يستفاد من هذه إن السماء والأرض لا تبكي إلا على أولياء الله الصالحين ، فقد ورد في تفاسير الفريقين _ كتفسير القرطبي، الصافي،وآخرين) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه_ ثم تلا_ " فما بكت عليهم السماء والأرض" . يعني أنهم لم يعملوا على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم لأجله. ولا صعد لهم إلى السماء عمل صالح فتبكي فقد ذلك. وقال مجاهد : إن السماء والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحاً. قال أبو يحيى: فتعجبت من قوله فقال: أتعجبُ! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دويّ كدويِّ النحل! وقال عليّ وابن عبَّاس رضي الله عنهما : إنَّهُ يبكي عليه مصلَّاه من الأرض ومصعد عمله من السماء. وتقدير الآية على هذا: فما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء ولا مواضع عبادتهم من الأرض .
قد يقول قائل .. كيف يكون بكاء السماء والأرض؟
يجيب القرطبي في تفسيره بقوله : "ذكر أبو نعيم محمد بن معمر قال: حدثنا أبو شعيب الحراني قال حدثنا يحيى بن عبد الله قال حدثنا الأوزاعيّ قال حدّثني عطاء الخراساني قال: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت. وقيل: بكاؤهما حمرة أطرافهما ، قالهُ علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه_ وعطاء و السدّي والترمذيّ محمد بن عليّ وحكاه عن الحسن .
وكذلك ورد في المجمع عن الإمام الصادق انه قال بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي عليهم السلام أربعين صباحا ولم تبك إلا عليهما قيل فما بكاءهما قال كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء .
لمن كان بكائِهما؟
جاء في تفسير القرطبي ( وهو من علماء العامة ) أن السُّدِّيّ قال : لمَّا قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت عليه السماء، وبكاؤهما حمرتها . وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال: لمَّا قتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما احمرَّ له آفاق السماء أربعة أشهر. قال يزيد : واحمرارها بكاؤها . وقال محمد بن سيرين : أخبرونا أن الحمرة التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قُتل الحسين بن عليّ رضي الله عنهما. وقال سليمان القاضي: مطرنا دما يوم قتل الحسين .
وفي تفسير القمي عن أمير المؤمنين قال : ( مر عليه رجل عدو لله ولرسوله فقال : ﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ﴾ ثم مر عليه الحسين بن علي فقال: لكن هذا ليبكين عليه السماء والأرض.
السؤال الآن ..
إذا كانت السماء والأرض بكت الحسين بن علي عليهما السلام .. فلماذا هذا الاستنكار لما تجود به مقلتنا من دموع مالحة حزينة !؟