أمة اعتادت الجراح..
من قال أن التاريخ ورموزه قد غيُبت؟.. من الذي ادعى أن الأمر انقضى بمجرد عبور الزمان على أنفاسهم؟.. من قال أن أولائك العظماء قد طُويت صفحتهم في شطر ذاك النهار الذي رحلوا فيه عنَّا؟.. ومن قال بأن أعدائهم قد أُقبروا فأغلقوا أبواب القضية وراءكم وانتهوا من تفاصيلها؟..
لا.. لم يحدث كل ذلك بدليل ما يطالهم الآن هنا.. لقد صبروا على كل الأذى الذي واجهوه في زمانهم وما أعظمه من صبر يدهشنا حتى اليوم.. ومازالوا حتى الآن يواجهوا في شخوصهم وفي عقائدهم بل حتى مراقدهم لم تسلم من الأحقاد والتدمير والتخريب.. ومن مهازل الأمور أن ما يحصل لم يراعى فيه حرمة الشهر ولا حرمة الرسول وأهل بيته جميعاً بل ولا حرمة الأديان كذلك.
ليست القضية مذهبية بقدر ما هي ابتلاء وفتنة.. فتنة وجدت ووجدنا أنفسنا في رحاها ندور وتطحننا بمعاركها الدائرة.. قبل أيام قلائل كان رسول الله مستهدفاً فيها من حمقى لا يعرفوه ولم يعرفوا رسالته التي جاءت لخير البشرية ولو عرفوه وفهموا رسالته لفضلوا أن يقطعوا أيديهم بأنفسهم لمحاولتهم البائسة لتشويه رمزها..
واليوم محاولة كائدة أخرى تطال أبناءه ومراقدهم الشريفة.. فمن يصنع كل هذا؟.. أهو الجهل أم الحقد؟.. أم أنها عداوة مستترة تحت أغطية ثقيلة بدأت تتكشف لنا بشكلها الصريح الواضح؟.. أتساءل ما نفعهم من كل هذا؟.. ماذا يبتغون؟.. وإلى أين يريدون أن يصلوا في النهاية؟.. وما الدعي لتخريب المساجد وتفجير المراقد والتطاول على الرموز الدينية؟.. وماذا عنا نحن؟.. هل سيتوقف الأمر عند هذا الحد وينتهي؟.. أم أن هناك محتوى أكبر لما نواجهه؟.. وهل هناك من حد فاصل لوقف ما يجري؟.. أم أننا سنبقى هكذا حتى تتلاشى هويتنا كأمة مسلمة هذا إن لم تكن قد بدأت تتلاشى فعلاً..!
فهل ترانا بعد كل ما يجري يمكننا أن نقول أن ذاك عهداً ولى وانقضى أمره.. ولم يعد من أحد يفتتح صفحاته ليظهر علاقة به.. أم أن هناك موقفاً ما علينا أن نقفه جميعاً نواجه به مثل هذه الجرائم التي كانت ولا تزال موجهة لأئمتنا ولنا من ذاك الزمان وحتى هذا الزمن.
لا يبدو من الأمر أنها معركة من حقائب التاريخ الماضي ولا باب من أبوابه.. وإنما هي امتداد متصل له.. امتداد زاحف مما كان بدءاً قد حصل لم ينتهي باستمرار منارة الحق ولا بأفول شمس الباطل..
ليست المراقد التي تطاولوا عليها ملكاً خاصاً بنا كموالين بل هي للمسلمين جميعاً إن كنا ندعي أن التاريخ كان تاريخنا جميعاً وأن محمد كان نبي الرحمة للعالمين.. تماماً كما لم يكن الرسول ملكاً لنا وحدنا فهب العالم بما فيه من أجناس وعقائد بل وحتى أديان يدافع عنه بشدة.. وهذه الآن مراقد أبناءه تنتهك بكل جرم وبشاعة فهل كان سيرضى بأن يبكي قوم أبناءه ويقف الباقين في عجز صامت وكأن هذا الأمر لا علاقة له بما قبله؟.. لكنهم بما فعلوا قد ظلموا ﴿ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ﴾[1] ..
أيفلح قوم كان حافر نبيهم مكان تقديس وتكريم وترابه مكان عبادة.. ويخسر قوم كان نبيهم وأبنائه مصدر كرامة وعزة لهم!!..
أيفلح قوم أحجارهم آثار ومتاحف يلتفون حولها ويتبركون بها.. ويخسر قوم كانت مساجدهم ومراقد أنبياءهم وأئمتهم هي المجد الذي أعطى عزاً للتاريخ نفسه!!
ومادامت القضية بدأت وقاحتها بالرسول والدين وامتدت لمراقد الأئمة الطاهرين ونحن مازلنا نقف بصمت دون حزم أو حراك واضح فيها فلنتوقع ما هو أسوأ وما سيجري فيما بعد أكبر مما حصل.. لنصبح أمة اعتادت الجراح والنزيف المتواصل دون أن تتمكن من القيام بشيء واضح لإيقافه.