الإمام المهدي(عج) بين الحضور والغيبة

 

انبرى جمع كبير من علماء الإسلام في الكتابة عن الإمام المهدي  فنوعوا وأسهموا في تثقيف الشباب المسلم في هذا الموضوع وهذه الشخصية المهمة في الإثراء العقائدي الذي تزداد أهمية وجوب الاطلاع عليه يوم بعد يوم.

ومن هذا المنطلق وحرصاً على تذكير نفسي أولاً وأخواني المؤمنين ثانياً لاسيما الشباب منهم ومع اقتراب المناسبة الشريفة والتي هي مولد سيدي ومولاي الإمام المهدي أحببت أن أسطر هذه الكلمات على هذه الوريقات.

فهذه الشخصية التي خصها خالقها جلاّ وعلا بأن تواصل عطاء ثلاثة عشر معصوماً إلى آخر الزمان لها مزاياها الخاصة التي خصها بها سواء من آيات كريمة أو أحاديث شريفة.

وقد نوّه الباري تبارك وتعالى لقضية الإمام المهدي  في أكثر من آية شريفة نمر عليها سريعاً كما قلنا لأننا هنا لسنا بصدد بحوث قرآنية أو تفسيرية.

فمن الآيات التي قيل أنها في شأن الإمام المهدي:

1- قوله تبارك وتعالى ﴿ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين [1] .

2- وقوله جلّ شأنه ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم [2] . ففي رواية عن الإمام الصادق  أنه قال في معنى الآية الشريفة أنها نزلت في القائم وأصحابه[3] .

3- في قوله تعالى ﴿ أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير [4] . قال  هي في القائم وأصحابه[5] .

وأما لو جئنا إلى ما يخصه في الحديث الشريف فالأحاديث فيه تصل إلى حد التواتر ولكن اقتطفنا منها القليل فيما يخص الكلام عنه وعن فضله ، فقد قال الرسول الأعظم

1- «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ذلك هو المهدي»[6] .

2- وقال : «لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم لبعث الله فيه رحلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً»[7] .

3- وقال أيضاً : «القائم المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً»[8] .

  •  ولادته:

اختلف أهل الإسلام في ولادته وأنقسموا إلى فريقين فمنهم من قال أنه ولد عام 255هـ، ومنهم من قال يُولد في آخر الزمان [9] . إلا أن الأدلة القائمة من أهل التاريخ وأرباب السير ترجح القول الأول لما لذلك من تواريخ موضّحة وأرقام مثبّتة.

فقد قال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي أن الإمام المهدي  ولد في سنة 255هـ، وهو من علماء أهل السنة والجماعة والمتوفى عام «652هـ»[10] . وكذا قال السيد محمد كاظم القز ويني[11]  وهو من علماء الشيعة الذين توفوا في العصر الحديث[12] .

ولو تتبعنا لرأينا جُلّ علماء المسلمين يقولون بهذا الرأي في ولادة الإمام [13] . فعلى هذا يتضح وجوده الشريف... وعليه يتبادر إلى الذهن سؤال.. وهو ما الفائدة من وجوده مادام غائب أو بمعنى أصح هل نستفيد منه وهو غائب؟!.

هناك روايات جلية عن الرسول الأعظم وأهل بيته الطاهرين توضح لنا جواب هذا التساؤل والاستفسار فعن رسول الله «ص سأله جابر بن عبدا لله الأنصاري : هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته فقال «أي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب»[14] .

«ومعنى ننتفع به وهو في الغيبة أننا نبقى منتظرين ومستعدين نعمل حساباً لظهوره ونخاف مدية. عدله إذا فاجأنا ونحن على غير طريقته وفي صف أعدائه، وبمعنى شعورنا أننا مطالبون بالتزام خطه وبأنا لا نحيد عما سنه لنا جده وأوصياؤه»[15] .

وقال أمير المؤمنين«الا ومن أدركها مناً، يسري فيها بسراج منير، ويحذو فيها على مثال الصالحين، ليحل ربقاً ويعتق رقاً، ويصدع شعباً، ويشعب صدعاً، يسري في سترة عن الناس، لا يبصر القائف أثره ولو تابع نظره»[16] .

وتبرز هذه الفائدة الهامة في لقاءاته مع الكثير من شيعته المخلصين ولاسيما العلماء منهم - فقد التقى الإمام  وعلى مر العصور بالكثير منهم سواء المتقدمين أو المتأخرين- فمن ذلك:

1- أن القرامطة بعد أن قلعوا الحجر الأسود من مكانه أثناء هجومهم على مكة المكرمة ونقلوه إلى هجر، وكان ذلك أبان الغيبة الصغرى بقي الحجر لديهم قرابة الثلاثين عاماً أو تزيد. وأرجعوه إلى مكة وكان الإمام المهدي  هو الذي وضعه مكانه وأقره على وضعه السابق. لأنه لا يضعه في مكانه إلا الحجة في الزمان. كما في زمان الحجاج وضعه الإمام السجاد[17] .

2- وممن تشرف بالتوقيع الخاص للإمام  آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني الذي كان من مراجع التقليد الكبار لدى الشيعة ممن كانوا يتصفون بالكرامات الباهرات والسجايا الحميدة وسخاوة اليد وحلاوة اللسان فقد أغدق صاحب العصر  على هذا النائب الكبير توقيعه الشريف وبهذا فقد شمله بالعناية الخاصة منه .

وقد أرسل الرسالة  عن طريق المرحوم ثقة الإسلام زين العلماء الحاج محمد كوفي شوشتري، وهي كتالي «قل له أرخص نفسك واجعل مجلسك في الدهليز واقض حوائج الناس نحن ننصرك»[18] .

3- وأخيراً لقاء آية الله العظمى السيد شهاب الدين المر عشي النجفي بالإمام وكان ذلك لعدة مرات منها أنه كان يتردد إلى مسجد السهلة بالعراق لمحاولة لقاء الإمام  فلما كان الأسبوع السادس والثلاثون كان الجو ممطراً، ولكن السيد أصرّ على الذهاب، وقد تم ذلك وعند وصوله بالقرب من خندق كان موجود بالطريق سمع أحد من خلفه يقول له يا سيد الطريق من هنا، مع ظلمة الليل فأستغرب السيد كيف استطاع ذلك الشخص التمييز كونه سيد مع تلك الظلمة والعمامة السوداء. فأرتحل معه إلى أن وصلوا مسجد زيد بن صوحان، ثم قال ذلك الرجل الإعرابي للسيد أنت جوعان فأخرج من تحت عباءته قرصان من الخبز وثلاث خيار كانت طرية مع كونها في فصل الشتاء.

ثم دخلوا إلى مسجد السهلة وصلّوا العشاءين وبعدها أراد السيد المر عشي أخذ وقتاً للراحة فقال للأعرابي هل تشتهي الشاي أو القهوة أو الدخانيات حتى أعده لكم؟ قال هذه الأمور من فضول المعاش، ونحن نتجنب عن فضول المعاش. ثم جرى الحديث عن بعض المطالب التي ذكّر بها الأعرابي السيد المر عشي، حتى أراد السيد الخروج من المسجد لحاجة وفي وسط الطريق وقبل أن يخرج تبادر إلى ذهنه أي ليلة هذه؟ ومن هذا السيد العربي صاحب المطالب والفضائل؟ ربما هو مقصودي، فما أن خطر بباله هذه الفكرة حتى رجع مضطرباً فلم يجد لذلك السيد أثراً[19] .

وهنا يبقى الكلام عن النتائج من وراء تلك الرؤى الشريفة فأنه  لا يمكن أن يلتقي بأحد إلا لجلب مصلحة أو درء مفسدة ونصرة حق أو دفع باطل. والأمثلة في اللقاء معه خير شاهد على ذلك.

فقصة لقاءه مع العلامة الحلي «قده» وتأليفه للكتاب فيه دفع ضرر واضح للعلامة بشكل خاص وللطائفة بشكل عام، وكذلك قصة الرمانة مع أهل البحرين[20]  ففيها درء الهلاك عنهم وصيانة عقيدتهم من الشك والانحراف. وكذلك في اللقاء بالإمام إدراك لبعض المطالب الهامة التي لا تدرك بدون اللقاء به فقد بيّن ونوّه لمن التقى به بتلك المطالب وأكد عليها وهذا ما حدث مع الكثير ممن التقوا معه، فعلى سبيل المثال القصة الآنف الذكر مع السيد المر عشي«قده»، أكد الإمام على مطالب منها:- 1- التأكيد على تلاوة هذه السور بعد الفرائض «يس» بعد الفجر و«عم» بعد الظهر و«نوح» بعد العصر و«الواقعة» بعد المغرب و«الملك» بعد العشاء.

2- التأكيد على زيارة سيد الشهداء.

3- التأكيد على تلاوة القرآن الكريم وإهداء ثوابها للشيعة الذين ليس لهم وراث أو لهم ولكن لم يذكروا أمواتهم.. إلى غير ذلك من المطالب المذكورة [21] .

فهذه النتائج حري أن نأخذ بها ونتعمق في نيلها والفوز بما توصلني إليه من السعادة الحتمية.

وهكذا نعلم أن الإمام روحي فداه سيد الوجود والحضور وهو صاحب الزمان وهو ليس كذلك فحسب بل أنه قريب مني والله تعالى كفيل بقضاء حاجتي ربما على يد الإمام  إذا عملت على استحقاق ذلك والعمل على تحصيله. والشواهد التي سقناها خير دليل وما هذا إلا قطرة في بحر جود الإمام وكرمه وأهل البيت الأطهار  أجمعين.

وفي الختام نسأل المولى العزيز أن يجعلنا من أنصار هذا الإمام الهمام، والذابين عنه والمستشهدين تحت لوائه المقدس الشريف.

 

[1] سورة القصص / آية: 5.
[2] سورة النور/ آية: 55.
[3] أعيان الشيعة - العلامة السيد محسن الأمين العاملي - ج2ص608- ت/ السيد حسن الأمين العاملي - ط/ دار التعارف للمطبوعات.
[4] سورة الحج/ آية 39.
[5] أعيان الشيعة - ج2ص608.
[6] تذكرة الخواص - سبط ابن الجوزي - ص452-453- ورواه الترمذي باختلاف في اللفظ ج4ص438.
[7] بحار الأنوار - العلامة محمد باقر المجلسي - ج 51ص74- ط/ مؤسسة الوفاء.
[8] نفس المصدر - ج51ص72.
[9] تناولنا ذلك بشيء من التفصيل في مقالة سابقة بعنوان الإمام المهدي ولِد أم سيولد.
[10] مطالب السؤول في مناقب آل الرسول - الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي - ص6.
[11] الإمام المهدي من المهد وحتى الظهور - السيد محمد كاظم القز ويني- ص114-122.
[12] تلك الأيام صفحات من تاريخ العراق السياسي - آية الله العظمى السيد محمد مهدي الشيرازي - ص286.
[13] الإمام المهدي من المهد وحتى الظهور - السيد محمد كاظم القز ويني ص97-100.
[14] بحار الأنوار- العلامة محمد باقر المجلسي- ج52ص93.
[15] يوم الخلاص في ظل القائم المهدي - كامل سليمان - ص137- ط/ دار الكتاب اللبناني.
[16] منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر- آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي الكلبيكاني - ج2 ص268.
[17] أروع القصص في من رأى القائم- في غيبته الكبرى - الشيخ ماجد الزبيدي - ص28-29.
[18] كرامات الإمام المهدي فارس فقيه - ص75. نقلاً عن اللقاء مع الإمام ص79.
[19] كرامات السيد المر عشي- إعداد مركز منارة الإمام المهدي ص97-114 «بتصرف».
[20] أروع القصص في من رأى القائم في غيبته الكبرى- الشيخ ماجد الزبيدي- ص49-53. وكرامات الإمام المهدي - ص142-145. وغيرها.
[21] كرامات السيد المر عشي - ص100-103«بتصرف».