حديث الجمعة 08 شعبان 1446هـ

القضاء الموسع والمضيق

شبكة مزن الثقافية مسجد الزهراء عليها السّلام بحي الديرة - سيهات
الشيخ جواد آل جضر
الشيخ جواد آل جضر

  تحدثنا في الجمعة السابقة عن فضل شهري رجب وشعبان وما فيهما من النّفحات الإلهية التي تكرّم اللهُ بها على عباده في الأشهر الثلاثة الفضيلة.

  والعمل المشترك الذي حاز على قسط كبير من الفضل والثّواب في الأشهر الثّلاثة هو الصّوم مع فارق أنّه في شهري رجب وشعبان مستحب وفي شهر رمضان هو واجب.

 تعريف المستحب هو : من يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.

 وتعريف الواجب هو : من يثاب فاعله ويعاقب تاركه.

  في غير أيّام شهر مضان التي يكون فيها الصّوم واجبًا فإنّ صوم كلّ أيّام السّنة ما عدا الأيّام المذكورة التي يحرم أو يكره فيها الصّوم يكون مستحبًا وقد تأكّد الحثّ على صوم بعض الأيّام ومن جملتها :

  ثلاثة أيّام في كلّ شهر يكون ترتيبها كالتّالي:

الخميس الأوّل من الشّهر والخميس الأخير منه والأربعاء الأوّل الذي يقع بعد العاشر من الشهر.

وإذا لم يأتِ بالصّوم في هذه الأيّام مع أنّه مستحب ولكن يستحب له أنْ يقضيها، وإذا لم يأتِ بالقضاء أيضًا استحب أنْ يدفع للفقير بدل كلّ يوم مُدًّا ( 750 غرامًا تقريبًا ) من طعام حنطة أو شعير أو طحينهما أو خبزهما أو  6/12  حمصة فضة خالصة ( 1/4 1 غرام تقريبًا ). 

وهذا التفصيل دليل على شدّة استحباب صوم هذه الأيّام لدرجة أنّ لها قضاء وإطعامًا لمن فاته صيامها مع أنّها مستحبة.

صوم الأيّام البيض من كلّ شهر وهي ١٣ و ١٤ و ١٥ . 

صوم كلّ أيّام شهري رجب وشعبان وبعض هذين الشهرين ولو يومًا واحدًا .

صوم يومين يتصلان برسول اللہ صلّی اللہ علیہ وآلہ وهما:
1- مولده في السّابع عشر من شهر ربيع الأوًل.
2- مبعثه في السّابع والعشرين من شهر رجب.


 هذه بعض نماذج الصّيام المستحب وكما قلنا فإنّ صوم كلّ السّنة مستحب ما عدا ما وردت حرمته كعيد الفطر وعيد الحج أو وردت كراهيته كصوم يوم عاشوراء وصوم اليوم المشكوك أنّه يوم عرفة أو عيد الأضحى لكيلا يقع الإنسان في صوم يوم العيد وهو حرام.

  سمعتم منا ومن غيرنا في وسائل التّواصل الاجتماعي ووصلتكم مئات الرسائل في هذين الشّهرين الكريمين ( رجب وشعبان ) عن فضل الصّوم وثوابه وهو مما يعطي دافعًا وتشجيعًا للمؤمنين على الصّوم حتّى صار بحمد الله هذا العمل المستحب صفة بارزة وواضحة في كلّ مجتمعات المؤمنين الموالين لأهل البيت عليهم السّلام.

  وكيف لا يكون كذلك والصّوم ورد فيه أنّه : 

1- ( جُنَّة من النَّار ) والجُنَّةُ تعني الوقاية وتعني أيضًا الحصن والحرز والمانع والحافظ. البحار ج96 ص 296 حديث 28.
2- ( بابٌ من أبواب الجنّة اسمه : الريان ) البحار ج ٩٣ ص ٢٥٦ حديث 37 .
3- ( الصّومُ لي وأنا أجزي به ) حديث قدسي حدث بہ رسول الله صلّی اللہ علیہ وآلہ عن الله عزّوجلّ.
    والكثير الكثير مما لا يمكن اختصاره في بعض القول أو الكلام.

  هذا الجانب الدّيني العبادي وأمّا الفوائد الصّحية والبدنية والاجتماعية فحدّث ولا حرج واليوم بحمد الله أصبحت كلّ المعلومات متاحة ويسهل الوصول إليها .

  وبسبب الاستحباب الشديد وحثّ العلماء للمؤمنين من منابر العلم والإرشاد على الصّوم المستحب يندفع الكثيرون للصّوم خصوصًا في شهري رجب وشعبان من كلّ عام وهما الشهران اللذان يلتصقان بشهر الله الكريم شهر رمضان.

  وهنا ينبغي التنبيه على مسألة مهمة جدًا جدًا تتعلق بالصّوم وهي أنَّ من في ذمته صوم قضاء من شهر رمضان السابق لا يستطيع أنْ يصوم الصّوم المستحب لأنّه لا يقبل منه وفي ذمته القضاء الواجب.

  نعم ذكر بعض الفقهاء إمكانية الجمع بين صوم القضاء الواجب والصوم المستحب وذلك بإيقاع الصّوم القضائي الواجب في يوم مستحب فينال ثواب الاثنين (الواجب والمستحب) ولكن هذا يؤكد أيضًا على أنّ النية الأصل والأساس هي القضاء الواجب لا المستحب.

  للأسف الشّديد تتكرر في كلّ عام هذه الظاهرة من البعض وهي التراخي والتّسويف في القضاء حتّى يدخل شهر شعبان وهنا تتضيّق الأيّام وقد يقع الإنسان في محذور تفويت القضاء ولذلك من المهم معرفة ما يلي ممّا يتصل بالقضاء الموسع والقضاء المضيّق :

  القضاء الموسع هو متاح طيلة السّنة فإذا انتهى شهر رمضان وعلى الإنسان يوم أو أيّام من القضاء بسبب سفر أو مرض أو كما عند النّساء بسبب حيض أو نفاس فإنَّ المدّة المتاحة للقضاء هي من 2 شوّال بعد استثناء يوم العيد إلى ٣٠ شعبان من السّنة القادمة بعد استثناء عيد الحج أيضًا.

    وهذا يعني أنّ السّنة الهجرية ٣5٤ يومًا لو طرحنا منها شهر رمضان القادم ويومي العيد (32يومًا) فتكون المدّة المتاحة للقضاء هي 322 يومًا أو 323 يومًا مع جبر الكسور، ولكن للأسف الشّديد فإنّ البعض يتراخى ويسوّف بلا عذر كالمرض أو التّعب وغير ذلك حتّى يقع في أيّام القضاء المضيّق.

  •  القضاء المضيّق هو عندما تكون الأيّام في شهرشعبان الفاصلة عن شهر رمضان بعدد أيّام القضاء المطلوبة فمثلًا يكون الشخص مطلوبًا بـ 5 أيّام قضاء فيؤخر ويؤخر ويتراخى ويسوّف ثمَّ يبدأ القضاء يوم ٢٥ شعبان ويصوم ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ ثمَّ يكون يوم الشّك وقد يكون بحسب رؤية الهلال هو اليوم الأوّل من رمضان.

    ولو بدأ بالقضاء في ٢٦ ثمّ صار شهر شعبان ٢٩ يومًا فقط فإنّه يكون قد صام 4 أيّام  فقط من الأيام الخمسة.

  •  هناك فروق مهمّة بين القضائين المضيّق والموسّع وهى :

1- في القضاء الموسّع وباعتبار أنّ الأيّام المتاحة للقضاء كثيرة كما لو كان يقضي في الأشهر البعيدة عن شهر رمضان فإنّه يستطيع إبطال صومه القضائي بأكل أو شرب إذا احتاج لذلك أو بدا له الإفطار لأي سبب ولكن بشرط أنْ يكون ذلك قبل الزّوال ( أذان الظهر) لا بعده.

    وأما في القضاء المضيّق فإنّه لا يحقّ له الإفطار وإبطال الصوم لا قبل الزّوال ولا بعده.

2- في القضاء الموسّع لا تلحقه كفاره بل يقضي الصّوم فقط ، وأمّا من يتراخى ويسوّف القضاء حتّى يقع في أيّام القضاء المضيّق فإنّه قد يعرض له السّفر أو المرض أو الحيض عند النّساء فتضيع أيّام القضاء ويدخل عليه شهر رمضان الجديد وهو لم يفرغ ذمّته من قضاء أيّام شهر رمضان السّابق التي في ذمّته فيجب عليه بعد شهر رمضان الجديد القضاء والكفارة.

3- الفرق الثّالث هو ما أشرنا إليه سابقًا أنّ من يبادر لإفراغ ذمته من القضاء الواجب في الوقت الموسّع يستطيع ان يستفيد من فرص الصّوم المستحب وما فيه من الثّواب الكثير بعكس الذي لا يصوم القضاء حتّى يصل لأيّام القضاء المضيّق فإنّه يحرم نفسه من الكثير من الأيّام التي ورد الاستحباب الشّديد في صومها ومنها مثلًا صوم يوم المبعث النّبوي والذى يعادل صومه صوم سبعين سنة في الثّواب.

  متى تجب الكفّارة ؟ وما هي الكفّارة ؟  ولمن تعطى الكفّارة ؟

من اتصل به العذر من الرّمضان إلى الرّمضان ولم يتمكن من القضاء يسقط عنه القضاء وتجب عليه الكفّارة .

  من زال عنه العذر وتأخّر وسوّف القضاء حتّى دخل عليه شهر رمضان الثّاني يجب عليه القضاء والكفّارة.

  لو كان في أيّام القضاء المضيّق والتي لا يجوز له فيها إبطال صومه لا قبل الزّوال ولا بعده ولكن تعمد إبطال صومه، تجب عليه ثلاثة واجبات:

1- القضاء الذي في ذمّته فإنّه لا يسقط عنه.
2- كفّارة إبطال الصوم القضائي المضيّق وهي إطعام عشرة مساكين، فإنْ عجز عن ذلك يصوم 3 أيّام.
3- كفّارة التأخير وهي مُدّ من الطّعام عن كلِّ يوم.

  ما هي الكفّارة ولمن نعطيها ؟ 

 كفّارة تأخير القضاء هي إطعام المسكين إمّا إشباعًا أو مُدّ من الطّعام عن كلّ يوم (750غم).

 كيف يحصل الإطعام ؟ 

الجواب: يحصل الإطعام بأحد الطّرق التّالية : 

أ - دعوة الفقير إلى البيت وتقديم الطّعام له حتّى يشبع وإن كان المطلوب أكثر من مسكين، 2 أو ۳ أو 4 أو5 يفعل معهم نفس الشيء أو يحمل الطّعام لهم إلى بيتهم.

   مثال للتّوضيح : لو كان مطلوبًا منه إطعام ٤ مساكين عن ٤ أيّام يمكنه شراء ما يسمونه (صحن الوليمة) المشبع لـ 4 أشخاص بـ ١٢٠ ريالًا كما تعلن عنه المطاعم الآن ويدعو المساكين الـ ٤ إلى بيته أو يوصله إلى بيتهم أو يدعوهم للمطعم والمهم هو تناول المسكين للطّعام حتّى الإشباع وهناك تفاصيل فقهية في قضية إطعام المسكين الكبير والصّغير ولكن المهم هو إشباع المسكين.

ب - تقديم الطّعام للفقير (٧٥٠ غم) عن كلّ يوم وهو ما يسمّى بالمد والبعض من الفقهاء عندهم احتياط استحبابي في إعطاء مدين (١٥0٠ غم) ويكون غير مطبوخ مثل أكياس الرّز المتوفرة في البقالات وإذا وصلت للفقير هو حرّ في التّصرف بها وأنت تكون قد برئت ذمّتك.

ج - تقديم المال المساوي لقيمة الطّعام ولكن هذا لا يمكن إلاّ بعد الاطمئنان التّام أنّ الفقير سيشتري بالمال الطّعام لأنّه لا توجد عندنا بدلية المال للإطعام في غير زكاة الفطرة.

د - والأفضل تسليم المال للجمعية الخيرية كوكيل عن الفقراء وهي تتكفل بشراء الطّعام وإيصاله للمستحقين، والحمد لله اليوم صارت الجمعيات جهات مأمونة وموثوقة وعندها وكالات أيضًا من الفقراء المستحقين وهي حاليًا أسلم وأوثق الجهات للتّعامل معها في الكفّارات والصّدقات والتّبرعات.

  ختامًا أوجه النّصيحة لكلِّ من يبتلي بالقضاء الواجب لأي سبب كان أنْ يبادر للقضاء في شهر شوّال بعد انتهاء شهر رمضان مباشرة وذلك بعد يوم العيد الأوّل أو الثّلاثة؛ لأنّها أيّام ضيافة وأكل وشرب كما ورد في الرّوايات، ثم يبدأ بالقضاء خصوصًا أنّ همّة الصّوم موجودة ولم تبرد ولم يفصله عن صوم شهر الله شهر رمضان غير يومين أو 3 أو 4 .

  وأيضًا يمكن اختيار أيّام اعتدال الجو وأيّام البرد التي يكون فيها النّهار قصيرًا للقضاء فلا يقع الصائم في عنت أو شدّة ويكون قد أفرغ ذمّته من القضاء الواجب.

  كما أنّني أنصح أنْ يقوم أفراد العائلة وخصوصًا الأبوين بتذكير من عليه قضاء من العائلة وخصوصًا البنات اللاتي يفوتهن بعض الصّوم بسبب العادة الشهرية وخصوصًا البنات الصغيرات اللّواتي قد ينسين القضاء و ينشغلن بالدّراسة ويكون هذا التّذكير بأساليب لطيفة ومنها انشغال جميع العائلة بالصوم فيكون قضاء لمن عليه القضاء ومستحبًا لمن ليس عليه قضاء، ويكون التذكير هو تطبيق لقوله تعالى: (  ... وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) آية 3 سورة العصر.

   نسأل الله للجميع الصّحة والعافية حتّى ينعم الجميع بثواب الصّوم الواجب والمستحب ويكون لنا ولهم

جُنَّة ووقاية وحصنًا من النّار ببركة محمد وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين