الحائض بنظرة إسلامية
الحيض والمرأة الحائض من المسائل التي اختلف فيها البشر منذ عهد قديم, فاليهود تفارق النساء في المحيض في المأكل والمشرب والمجلس والمضجع، وفي التوراة أحكام شديدة في الحائض وفيمن يقترب منها، وأما النصارى فلم يكن عندهم ما يمنع الاجتماع بهن أو الاقتراب منهن بوجه، وأما المشركون من العرب القاطنين بالمدينة وحواليها فقد سرى فيهم بعض تعاليم اليهود في أمر المحيض والتشديد في أمر معاشرتهن، أما غيرهم فربما كانوا يستحبون إتيان النساء في المحيض ويعتقدون أن الولد المرزوق حينئذ يصير سفاحاً ولوعاً في سفك الدماء وذلك من الصفات المستحسنة عند العشائر من البدويين أنئذ.
ولكن كيف ينظر الإسلام إلى الحيض والمرأة الحائض؟. ولماذا يمنعها عن الصلاة والصيام ولمس القرآن الكريم في هذه الأيام؟ وهل الحائض نجسة كما يعتقد بعض الناس؟.
قال الله تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾[1] .
معنى الأذى:
1- الأذى هو الطارئ على الشيء غير الملائم لطبعه. ووجه التسمية بذلك أن هذا الدم يؤثر في مزاج المرأة ويفسد شيئاً منه، مضافاً لما يسببه للمرأة من مشقة وإرهاق.
2- الأذى هو القذر والنجاسة.
3- «أذى» أي ذو أذى، أي يتأذى به المجامع بنفور طبعه.
معنى الاعتزال في الآية الكريمة:
توهم البعض أن هذه الآية منسوخة بالسنة النبوية, لأنهم فهموا منها مجانبة الحائض على الإطلاق كما يفعله اليهود. وهذا ظن فاسد. فالنهي المقصود في الآية إنما هو عن الجماع في مكان الحيض ومجراه «المحيض» وهو قُبُل المرأة. فالإسلام قد اخذ في أمر المحيض طريقاً وسطاً بين التشديد التام الذي عليه اليهود والإهمال المطلق الذي عليه النصارى، ويتلخض هذا الطريق في المنع عن إتيان محل الدم والإذن فيما دونه.
وقد دلت السنة الشريفة على منع المرأة الحائض من الصلاة والصيام ولمس القرآن الكريم. وليس ذلك إلا لأن هذه الأعمال مشروطة بالطهارة، أما الحائض فهي ليست بطاهرة. ويدل على عدم طهارتها قوله تعالى في الآية الكريمة السابقة ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ﴾. إذن المرأة ما دامت حائضاً فهي ليست طاهرة، فلا يمكنها أن تصلي. وليس معنى ذلك أن الحائض نجسة، بل الطهارة هنا في مقابل الحدث الروحي. وهو مشابه للحالة التي يكون عليها الإنسان المجنب - سواء كان رجلاً أو امرأة -.
كما أن الإنسان المحدث بالأصغر لا يمكنه أن يصلي قبل أن يتوضأ أو يتيمم - عند توفر شروط التيمم -، وذلك أنه محدث ويحتاج إلى الطهارة بالماء أو التراب. وكذلك الإنسان المحدث بالأكبر كالجنابة والحيض لا يمكنه أن يصلّي قبل أن يرتفع هذا الحدث.
قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[2] .
ولا يخفى على القارئ العزيز أن الطهارة على أقسام ومراتب، وقد قال الله تعالى ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾[3] ، ﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[4] .
إذن هناك طهارة يقابلها النجاسة، وطهارة يقابلها الحدث، وطهارة يقابلها الرجس. فتأمل في ذلك. وربما استعملت كلمة «نجاسة» بمعنى القذارة الروحية أيضاً.
ثم إن لكل نجاسة أو حدث أو رجس ما يناسبه من أعمال لتحصيل الطهارة. فالدم نجاسة، وطريقة رفع هذه النجاسة يختلف عن طريقة رفع نجاسة البول، كما أن رفع النجاسة يختلف عن رفع الحدث الأصغر، وهو يختلف عن طريقة تطهير الروح وتحصيل الصفاء والنقاء والطهارة الروحية والمعنوية. نعم هناك تفاعل بين هذه الأنواع من الطهارات، فالطهارة الخارجية تهيء للطهارة من الحدث، وهي تهيء أيضاً للطهارة الكمالية - إن صحّ التعبير -.
وبذلك يتضح أن منع الإنسان المحدث، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء كان بالأصغر أو بالأكبر كالجنابة أو الحيض - عن الصلاة والصيام ولمس القرآن الكريم، لا يعتبر إهانة لهؤلاء واستحقاراً لهم، بل هو بيان لأسس العبادة الصحيحة وشرائطها. تلك العبادة التي تكون في جوهرها امتثالاً لأوامر الله تعالى. نصوم حيث يأمرنا بالصيام - كما في شهر رمضان المبارك -، ونفطر حيث يأمرنا بالإفطار - كما في يوم العيد -.
أخي العزيز، عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، هنا الطاعة والخضوع لله تعالى هو أن تسجد الملائكة لآدم، فالسجود لمن أمر الله تعالى بالسجود له، في واقع هذا السجود هو سجود لله، والاستنكاف عن هذا السجود استنكاف عن الخضوع لله تعالى، قال الله تعالى ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾[5] .
وهذا لا يعني أن تنقطع الحائض عن ذكر الله تعالى، بل قال الفقهاء باستحباب أن تبدل الحائض القطنة، وتتوضأ وقت كل صلاة وتجلس بمقدار صلاتها مستقبلة ذاكرة الله تعالى. كما أن الحائض لا تمنع من ذكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار والدعاء وأمثال ذلك.
ومن الجلي عند الأخوة الأفاضل أن معيار الأكرمية عند الله تعالى هو التقوى. ومن ركائز التقوى أن ينتهي المرئ عما حرّمه الله تعالى.
ومن جميع ما تقدم يتضح أن منع المرأة من بعض العبادات بضعة أيام من كل شهر - تقريباً - لا يدل على أفضلية الرجل عليها. فالمرأة المؤمنة ذات التقوى والورع حتى وهي في حال الحيض هي أقرب إلى الله تعالى من الرجل إذا كان فاسقاً. ونضيف إلى ذلك بأن الأنثى تبلغ سن التكليف وتبدأ بالصلاة والصيام عندما تكمل التاسعة من العمر - حسب المشهور بين العلماء- وأما الذكر فهو يبلغ سن التكليف ويبدأ بالصلاة والصيام عندما يكمل الخامسة عشر - إن لم تظهر عليه علامات البلوغ قبل ذلك -. ومعنى ذلك أن الأنثى تسبق الرجل بالصلاة والصيام بسنوات قد تصل إلى ست سنوات في بعض الأحيان.