الإمام الحسين (ع) والمجتمع الحي
المجتمعات على نوعين: مجتمعات حية متقدمة، ومجتمعات أخرى ميتة متخلفة. ولكل مجتمع سماته التي تميزه عن غيره، ففي مقابل كل ميزة إيجابية تنحى بالمجتمع منحى التقدم والرقي، نجد أن هناك ميزة تقابلها تنحى بالمجتمع منحى التخلف والسقوط.
ومن مدرسة الإمام الحسين نريد أن نقتطف هذا الدرس، درس صناعة المجتمع الحي، ذلك أن هذه المدرسة تزخر بالعديد من الرؤى والبصائر، التي تسهم في رقي الأمة وانتشالها من هوة السقوط إلى مدارج الرقي والتقدم.
كيف نستفيد من نهضة الإمام الحسين في صناعة المجتمع الحي ؟
- الإجابة على هذا التساؤل تكمن في النقاط التالية :
1 ) الإنسان الفاعل والمؤثر
إن المجتمع الحي هو الذي يحتضن بين جنبيه ثلة من الرجال الأفذاذ، الأبطال، الفاعلين والمؤثرين في حركة المجتمع.
والإنسان الفاعل والمؤثر هو الذي يدرس المجتمع دراسة دقيقة جداً، ليعرف من خلالها الداء العضال الذي يعاني منه المجتمع من ثم يصف الدواء الناجع لهذا المجتمع.
وهذا ما تميز به الإمام الحسين الذي درس واقع الأمة دراسة دقيقة ومنها شخّص المشكلة التي تعاني منها الأمة .
فلقد كان يريد أن يخرج الأمة من المنكر إلى المعروف، كان يريد أن يضع حداً للمنكر، وأن ينتشل الأمة من الحضيض الذي أُركست فيه إلى العز.
أراد الإمام الحسين أن يبث روح الإيمان والحق فيها ـ الأمةـ لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله ، لأنه كان يرى أن الدين على وشك أن يُحرَّف، فأراد أن يُعيد الدين غضاً طرياً (1).
وهكذا نرى أن في كل مجتمع حي ثمة رجال فاعلين ومؤثرين يثيرون في أبناء ذلك المجتمع الهمة والنشاط، ويدفعونهم نحو العمل والفاعلية، ويكونون كالقلب النابض في ذلك المجتمع الذي يتدفق عطاء وتضحية.
2 ) ممارسة الإصلاح
في كلمة للإمام الحسين يُحدد فيها أهداف نهضته، حيث يقول : (إنّي لَمْ أخرُجْ بَطِراً ولا أشِراً وَلا مُفْسِداً وَلا ظالِماً وَإنَّما خرَجْتُ أطْلُبُ الصَّلاحَ في اُمَّةِ جدّي مُحَمّد اُريدُ آمُرَ بِالمَعْروفِ وَأنْهى عَنِ المُنْكَر أسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب...)(2)
وهذا ـ الإصلاح ـ هو سمة من سمات المجتمع الحي، والمتأمل في هذه الكلمة يجدها تحوي على شروط الإصلاح الناجح الذي ينبغي أن يكون:
- منطلقاً من منطلقات مقدسة.
- ذو تطلعات عالية.
- شاملاً لجميع أبعاد الحياة.
- دائماً وليس وقتياً.
ومن يمارس هذه العملية الإصلاحية فإنه يُحيي المجتمع، ويجعله في مقدمة الركب الحضاري.
3 ) المشاريع الاجتماعية
إن من يتأمل في سيرة الإمام الحسين يجد أن هذه السيرة ذات عطاء منقطع النضير، ففي كل بعد من أبعاد الحياة نجد أن هناك إشعاعات نورانية من فكر ونهج الإمام الحسين .
والمجتمعات الحية هي التي تستفيد من تلك الأفكار النيرة وتلك الإشعاعات المباركة خلال موسم عاشوراء، فمن خلال هذا الموسم تنبثق العديد من المشاريع الاجتماعية التي تسهم في تقدم وحياة المجتمع.
فالإمام الحسين داعية لقضاء حوائج المحتاجين، حيث يقول : (من قضى لأخيه المؤمن حاجةً قضي له يوم القيامة سبعين حاجة أيسرها دخول الجنّة).
وهو الداعية لاستثمار الأموال في خدمة المجتمع حيث يقول : (مالك إن لم يكن لك إن كنت له منفقاً فلا تبقه بعدك فيكون ذخيرة لغيرك، وتكون أنت المطالب به المأخوذ بحسابه، واعلم أنك لا تبقى له ولا يبقى عليك، فكله قبل أن يأكلك).
وهكذا نجد البعض دَرَسَ هذه التوجيهات دراسة وافيه ومن ثم بادر بإنشاء العديد من المشاريع الحيوية، كما ينقل المرجع الراحل الشيرازي (قدس سره) : (وإني قد شاهدتُ أحد العلماء وقد تمكن من بناء أكثر من ثلاثمائة وخمسين مؤسسة في مدة نصف قرن، باستثمار مجالس الإمام الحسين وتحريض الناس على ذلك.
ورأيت عالماً آخراً تمكن من بناء أربعين مؤسسة في مدّة عشرة أعوام(2).
4 ) الاستفادة من الطاقات والكفاءات
إن كل مجتمع يزخر بكم هائل من الطاقات والكفاءات العالية، التي إن استثمرت في الاستثمار الصحيح فإنها تعود على المجتمع بالخير العميم.
وقد قدم لنا الإمام الحسين نموذجاً رائعاً في هذا الجانب، حيث شارك في نهضته المباركة مختلف الشرائح الاجتماعية، وكل فرد قدم أغلى ما يملك.
ففي تلك النهضة المباركة شارك الشيخ الكهل، والشاب اليافع، والمرأة، بل حتى الطفل الرضيع!!
وهذا يعني أن كل فرد في المجتمع له عطاؤه الخاص، وإن اجتمعت هذه العطاءات تحت لواء واحد، وتحت قيادة واحدة فإنها تشكل حياة وروحاً للمجتمع.
ولهذا علينا أن نحتوي تلك الكفاءات وتلك الطاقات، ونوجهها الوجهة الصحيحة حتى نتمكن من بناء المجتمع الحي.
وأخيراً ... علينا أن نتأمل في سيرة الإمام الحسين تأملاً دقيقاً لنأخذ منها ما يُعيد الروح والحياة لمجتمعاتنا،( وإذا أردنا أن نحلّ بساحة الرحمة الإلهية، ونحصل على السعادة الدنيوية والأخروية، فلابد أن نتبع خطى الإمام الحسين ونسير على طريقه الذي رسمه للأجيال بدمه الشريف)(4)