دعوة من قلب الحسين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
عن مولانا علي بن موسى الرضا عليه وعلى أبائه وأبنائه أفضل الصلاة والسلام أنه قال (من تذكر مصابنا وبكى لما أرتُكبَ منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّرَ بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يحي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) صدق مولانا الإمام الرضا عليه السلام..
نحن على أبوب شهر محرم الحرام وعلى أعتاب عاشوراء ، عاشوراء الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام فيحق لنا والمسافة الزمنية بيننا وبين ذكرى عاشوراء أيام قليلة أنْ نتسأل ماذا بقي لنا من عاشوراء الحسين بمعنى أن معالم الإسلام التي حرص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون مشيرةً لقيم راسخةٍ ومبادئً حاضرةًً في وجدان المسلمين ، تلك المعالم مورس فيها السلب لمحتواها والتغيير لحقيقتها، والأختزال لمضامينها ، فالقرآن أصبح لقلقة لسان وتفنن في أداء مقامات التلاوة وتفاخر في حُسن الصوت وجماله وتباهي بحفظ جزء أو ثلاثين جزء ، أما مضمون وأحكام القرآن ومعرفة القرآن والعمل به فقد سُلب من القرآن.
فاستخدم القرآن للزينة تارة ولحسن الصوت تارة أخرى ولم يتجاوز في حياتنا أن يكون القرآن حاكماً على أعمالنا وعلى سلوكياتنا أو أن يكون القرآن منهجاً حياتياً وعملياً ننتهجه، والحج هذا المؤتمر الإسلامي العظيم هذا الذي فيه شهادة للمنافع وقضاءٌ للتفت أصبح سياحةً للأغنياء وتباهي للفقراء ، فأصبح المرء يحسب كم حجة حج وبأي سرعة إنتهى من الأعمال والمناسك ولهذا في أيام الحج يتفاخر بأنه قضى وانتهى من مناسك الحج قبل فلان وفلان فمن ينتهي في الأول هو صاحب الفخر، في الوقت أن المعروف في هذه الشعيرة العظيمة أنه إذا أطال الأداء كثر الثواب وكان مقبولاً من الله سبحانه وتعالى.
هذا نحن داخل دائرة مدرسة أهل البيت ، داخل دائرة الولاء فما بالك بالآخرين، يختزل الحج في لافتات ساذجة لا تمُت للحج بصلة ، فشعار الحج هذا العام كذا وفي عام آخر كذا، أين هذا من مقصد المُشرع من هدف الإسلام في تشريع الحج.
إذاً معالم الإسلام أصبحت معالم مستلبة و بقيت لنا عاشوراء الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام التي توقد في نفوسنا الحياة، تُشعلُ ومضتها في نفوسنا. بمعنى أننا نحيا بالحسين عليه أفضل الصلاة والسلام.
لماذا لأن الحسين هو القلعة الأخيرة الصامدة في إسلامنا لبقاء جذوة وعز وسنام الإسلام ، أما المعالم الأخرى فكلها أصبح مستلباً.
لأن عاشوراء وجدان أيها المؤمنون لأن عاشوراء ضمير لأن عاشوراء تضحية وفداء لأن عاشوراء قلب يعتصر لأن عاشوراء ومضة الحياة للتائهين لأن عاشوراء تخاطب وجدان كل موالي، فهي التي تجعلنا نحيا وهي التي تجعلنا نحيِ القرآن وهي التي تجعلنا نحيي مساجد الله وهي التي تجعلنا نحيي ذكر الله في الحج، فبدون عاشوراء لن نصبح أحياء.
فالحياة الحقيقية هي الحياة التي يشير إليها قوله تعالى (أفمن كان ميتاً فأحييناه) .
هذه الحياة حياة النور وهي التي نريدها من عاشوراء ولكن هل لا يزال عاشوراء الذي حدث قبل أكثر من 1300 سنة لا يزال هو عاشوراء في يومنا أم أننا في عاشوراء نعاني مخاطر ينبغي أن نتنبه إليها , وأن ننبه الآخرين إليها.
1- الخطر الأول:
من أهم هذه المخاطر : خطر التشكيك في كل ما يتصل بعاشوراء ، نقرأ كتباً ، نستمع إلى محاضرات ، نطلع على كراسات بعنوان التجديد والبحث والتحقيق وما إلى ذلك وكلها تصب في مجرى التشكيك فيما يتصل بثورة ونهضة الحسين عليه السلام.
بدءاً من المشروعية ومروراً بالطريقة التي تعاطى معها الحسين في الأحداث ومع الأحداث وليس إنتهاءً بالتشكيك في زيارة عاشوراء وفي الجدوى من إحياء ذكراه عليه السلام، تستمر هذه التشكيكات كحملات علمية منتظمة وهذه معضلة تنعكس على شبابنا أولئك الشباب الذين يأخذون موقع المتفرج ، فترى المؤمنين يسيرون في هذه المواكب وترى نصف أو ضعف هؤلاء على الجانبين يتفرجُ على الموكب.
هذه الحملات التشكيكية لا تنعكس على ذلك القارئ إلا بالشك في مبدأ الشعائر ولكن على هذا المسكين الشاب تنعكس بصورة عدم تفاعل مع مواكب الحسين عليه السلام.
نتسأل إخواني المؤمنين من ديدنه أن يقف متفرجاً على موكب الإمام الحسين هل ينتسب إلى أولئك الذين وقفوا على التل إذا كان هذا دوره فما بالك بدور أولاده ثم أولاد أولاده ، فقد يكون دور أولاده أن يكونوا متشيعين بالهوية فيكتفون بالتفرج على التلفزيون فالحمد لله هناك الكثير من القنوات الشيعية التي انتشرت وفيها الخير والبركة فلماذا اُتعب حالي في الحر والقر والبرد فأنا في بيتي وباستطاعتي أن أُشاهد ما أشاء ، وكأن الحسين لا يعنيه وكما حدث للحجاب أيها المؤمنين من الممكن أن يحدث في شعائر أبي عبد الله.
نحن لا نعارض أن تتبدل صورة الحجاب في مجتمعاتنا ولكن بشرط أن تحافظ على الحشمة والعفة والستر ولا ننسى هذه التغيرات مرافقة للابتذال فإذا كنت أيتها الأم تتبذلي شيئاً من قصاصة شعرك فابنتك ماذا ستكون ، فإذا كنت متهاونة في إبراز شيئاً من القصاصات أو المفاتن فسوف تأتي البت كي تتفوق على أمها ثم تأتي الحفيدة لتزداد ، فإذا كانت الأم نفسها غيرة متشددة في تدينها فالبنت فيما هو أدون غير متشددة فسوف يخرج علينا بعد جيل أو جيلين بنات سافرات وتصبح العفة داخلية والستر قلبي والحياء حياء العقل وما يعلمون بأنه في يوم القيامة سوف تكون تلك النسوة معلقات من شعورهن.
دائماً يصار إلى أن الدين لا دخل له بالعمل أو بالسلوك، كربلاء لا تعترف بذلك كربلاء كلها عمل وسلوك، عمل وسلوك منبعث من حشاشات القلب وهو المعضلة التي وقعوا فيها بالنسبة إلى عاشوراء ، ما استطاعوا أن يسلبوا أو ينزعوا عاشوراء ، أن يسلبوا معنى كربلاء من الأمة كما فعلوا بالنسبة للقرآن وكما فعلوا بالحج أو بالصلاة ذلك لأن في عاشوراء الرفض في عاشوراء الإباء والعمل وفيها الموقف وعلى امتداد التاريخ كان الثمن باهضاً وعندما يأتي الكلام عن دفع الأثمان الباهضة فلا يكون العمل إلا منبعثاً من القلب .
فليس هناك من هو مستعدٌ أن يقدم يده لكي تُقطع ليزور أبا عبد الله الحسين ثم تقول هذا العمل ليس منبعثاً من قلبه ، إننا مدعوون أن نعمم فهم عاشوراء إلى الناس ،أننا بعاشوراء نحيا إن عاشوراء عملٌ منبعثٌ من القلب والتشكيك لن ينفع لأن عاشوراء فوق شبهات المشككين إذ ما يلامس القلب لا يرتقي إليه شك المرتابين.
2- الخطر الثاني:
إن نحن خلصنا من موضوع التشكيك نأتي إلى موضوع آخر كسلاح يستخدمه أولئك ، وهو سلاح الاستهزاء (ما الذي تفعلونه تلبسون السواد تلطمون الصدور والرؤوس ، تخرجون في مسيرات لأجل رجلٍ مات قبل أكثر من 1300 سنة فهل هذا معقول وهل هذا عمل العقلاء ، أنتم جماعة من المخبولين ، ما هذا العمل الذي يظهركم بمظهر سيئ أمام العالم ، هل أنتم في غاية الإدراك والعقل والوعي وتبتدئُ حملة الاستهزاء أو حملة ترك الشعائرِ كي لا يُسخَ منا.
وهذا السلاح أتخذه أعداء التشيع لإنهم ما ملكوا يوماً سلاحاً عقلياً يواجهوا ويجابهوا به حركة التشيع وحينما عجزوا عن دليل العقل ذهبوا إلى سلاح الاستهزاء وهذا ديدن الضعفاء الذين لا يمتلكون الحجة قال تعالى ( وإذا لقوا الذين امنوا قالوا أمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون ) سورة البقرة - سورة 2 - آية 14.
عاشوراء أبي عبد الله الحسين لا تخضع للاستهزاء أو ترضخ لسخرية قومٍ أو آخرين ، عاشوراء الإمام الحسين التي جابهت النار والحديد قادرة على أن تجابه الاستهزاء ، وإذا أخذنا موضوع الاستهزاء علةً لترك شعائر أبي عبد الله الحسين لتركنا شعائر الله ، فاليهود سخروا من الأذن حينما سمعوه وقالوا بأن المسلمين لديهم طريقة جديدة ،والآن نحن في المسلمين يتسارع المؤمنون للسبق في الأذان كلهم يود أن ينال الفخر بأن يكون مؤذناً.
فالمشركون سخروا من سجود المسلمين فهل ثنى ذلك المسلمين عن السجود لله سبحانه وتعالى لقد كانت النتيجة عكس ذلك. فقد أصبح المسلمون يتفاخرون بأن فلاناً وفلاناً من أطول الناس سجوداً لله سبحانه وتعالى وأصبح مفخرةً ولم يكن مثلبةً يُسخرُ منها.
هذا الواقع تماماً هو حاصلُ بالنسبة لشعائر الإمامِ الحسين عليه السلام ينبغي أن نتعامل معه كمفخرةٍ من مفاخرنا كميزة من مميزاتنا الحضارية ، وهذا الأمر وهذه السخرية لم تكن جديدةُ على الشيعة، يقول الإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام) وذلك حينما عاب الآخرون على شيعتهم أنهم يزورونهم ويخرجون إليهم (اللهم إن أعدائنا عابوا علينا خروجهم إلينا فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا).
لقد عابوا على الشيعة أنهم يذهبون إلى أئمتهم لكنَ الموالين والشيعة الحقيقيون لم يثنهم ولم ينهاهم تلك السخرية عن أن يواصلوا شخوصهم إلى أئمتهم عليهم أفضل الصلاة والسلام.بل إن سخريةَ القومِ منهم زادتهم إصراراً للتواصل مع الأئمة خلافاً منهم على من خالف أئمتهم عليم السلام.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل ثم يقول ( وإن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم كما تعيرُ الزانيةُ بزناها أولئك شرارُ أمتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ).
إذاً هذه القصة ليست قصة حديثة وليس أمراً جديداً على واقعنا ، هذه قصة متكررة لأنها جهد العاجز الذي أعوزته الحيلة وأعوزه الدليل العقلي أو النقلي في الانتماء والولاء والحب والمتابعة والمشايعة وإحياء الأمر لأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام فاستعاض عن هذا العوز وعن هذا الفقر وعن هذا العجز بالسخرية لمن يوالي محمداً وآل محمد.
إننا في عاشوراء الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام مدعوون أن نشحذ هممنا وطاقتنا وبكل ما أوتينا من إمكانيات لكي نحي ذكر أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فكل واحد منا يستطيع من مكانه من موقعه من بيته من خلال أصدقائه وجيرانه ومن خلال زملائه ومن يلتقي بهم أن يحثهم على إحياء ذكرى أبي عبد الله الحسين.
ينبغي أن ندخل في مسيرة الحسين وأن ندخل مسيرة الحسين بالدخول في هذه الشعائر، بمعنى أننا لا نكتفي بموقف المشاهد والمتفرج، فمن نعم الله سبحانه وتعالى أن أصبحت لدينا جملة من الفضائيات الموالية والشيعية التي ستحاول أن تنقل هذه الشعائر على شاشاتها ولكن دعونا نجعل هذه النقلة للمريض وللعاجز وللذي في منطقة نائية ليس فيها مواكب وليس فيها حسينيات وليس فيه شعائر تقام ، أما نحن فليس من المناسب بتاتاً أن نكتفي بموقف المتفرج.
فالتشيع في معناه العمل، فعندما تقول اُشيعُ فلاناً لا يعني ذلك البقاء في مكانك فلا بد أن تذهب معه،إ ن التشيع في معناه العمل ولا يفهم العمل في إحياء عاشوراء بحالة التفرج ، إنما المطلوب أن نسعى وأن نمشي وأن نلطم الصدور ونبكي ونشارك الجميع في شعائرِ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام ) وأن لا تثنينا سخرية الآخرين وأن نقوم بعمل مضاد لهذا وهو تشجيع الآخرين وخاصة الشباب الذين ينبغي أن يكون الخطاب موجهاً إليهم فالشاب المؤمن المتفاعل مطلوب منه أن لا يستحي من مخاطبة هؤلاء أن انضموا إلى مسيرة الحسين هذا لا يحتاج منا إلى جهدٍ جهيد فكلمة طيبة وأسلوبٍ حسن تستطيع أن تغير إلى واقعٍ آخر.
فإن أكثر هؤلاء المؤمنين لا يشاركون ليس لأنهم لا يريدون المشاركة أو أنهم يحاولون أن يسجلوا سخريةً حاشاهم فهم من أصلابٍ أحبت الحسين وعشقت منهجه ، وإنما نحن نخاف أن تنفذ إليهم هذه الأفكار ونخشى أن يكونوا ساحة للتأثر بها، وأفضل شيء لذلك أن ندعوهم إلى مائدة الحسين وإلى مسيرة الحسين فإن بعضهم يمنعه الحياء أو عدم الجرأة أو أنه ما تعود أن يمشي في هذه المسيرة أو أن البيئة أو البيت والأصدقاء أو الجو المحيط به لم يشجعه على ذلك.
فالخطاب موجه للشباب المؤمن أن يدعوا هؤلاء الشباب إلى أن ينضموا إلى مسيرة الحسين (عليه السلام ) ويلتحقوا بركبه ليُدركوا الفتح وليتذوقوا حلاوة الحب الحسيني الذي يعطي للحياة معنىً جديداً وذوقاً رفيعاً لنعموا بفيض عطائه اللا محدود في الدنيا والآخرة فهذه دعوته إليهم.
نسأل اله تعالى أن نكون وإياكم من أتباع الحسين وأنصار الحسين ومن السائرين على نهج الحسين إنه سميعٌ مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين